هجرة الأطباء: نزيف مستمر في المنظومة الصحية – الحل فين يا حكومة؟

يُعد هجرة الأطباء واحدة من أبرز القضايا التي ترهق المنظومة الصحية في مصر، حيث يواجه هؤلاء المهنيون تحديات اقتصادية ومعيشية عديدة تدفعهم إلى البحث عن فرص أكثر تأمينًا واستقرارًا في الخارج، وهو ما يُعرّض القطاع الصحي المحلي إلى نزيف مستمر في الكفاءات. تُشكّل رواتب الأطباء أحد الأسباب الرئيسية لهذه الظاهرة، مما يطرح تساؤلات هامة حول استجابة الحكومة لتلك الأزمة.

أزمة رواتب الأطباء.. تقدير غائب للجهود والكفاءات

بالنظر إلى الرواتب الحكومية في قطاع الصحة، لا يجد الطبيب ما يكافئ عمله الشاق وتضحياته اليومية، إذ يبدأ الطبيب المقيم براتب يتراوح بين 3700 إلى 7000 جنيه، وهو غير كافٍ لتغطية احتياجاته الأساسية. أما مبالغ الأجور الإضافية، مثل تلك التي يحصل عليها بعض العاملين تحت نظام التأمين الصحي الشامل، فتُعد استثناءً محدودًا وغير معمّم. في المقابل، يعاني أطباء الامتياز بشكل خاص من الانخفاض الكبير في مكافآتهم، التي لا تتجاوز 2800 جنيه شهريًا، ما يضعهم في دائرة ضغوط مالية ومهنية خانقة، ويجعل البحث عن بيئة عمل أكثر استقرارًا هدفًا استراتيجيًا للكثيرين منهم.

الهجرة إلى الخليج.. خيار اقتصادي لا مفر منه

تضاعفت معدلات هجرة الأطباء المصريين، حيث يسعون بشدة لتعويض النقص في الدخل المحلي من خلال العمل في دول الخليج، حيث يحصل الطبيب هناك على رواتب تفوق بأضعاف ما يتقاضاه في مصر. فعلى سبيل المثال، تبدأ أجور الطبيب المقيم في المملكة العربية السعودية من 4600 ريال شهريًا (أكثر من 60 ألف جنيه مصري)، بينما قد تصل رواتب الأطباء الاستشاريين إلى نحو 290 ألف جنيه شهريًا. هذا الفارق الكبير لا يقتصر على البُعد المالي فقط، بل يتضمن أيضًا تحسين الظروف المهنية، والوصول إلى فرص التدريب المستمر؛ مما يجعل الهجرة ضرورة ملحة للعديد من الكفاءات المصرية.

تأثير هجرة الأطباء على مستقبل المنظومة الصحية

استقال أكثر من 11 ألف طبيب من القطاع الحكومي في غضون ثلاث سنوات، نتيجة لتدهور بيئة العمل وتراجع الحوافز، مما بات يُمثل تهديدًا جوهريًا لاستدامة الخدمات الصحية في مصر. هذه الأرقام تعكس أزمة عميقة تتطلب تدخلات عاجلة، تشمل تحسين الرواتب، وتوفير بيئات عمل جاذبة، بالإضافة إلى إقرار تشريعات تحمي الأطباء من الملاحقات القانونية المرتبطة بعملهم. فإذا استمر هذا النزيف دون حلول فعلية، ستشهد المنظومة الصحية مزيدًا من التراجع في جودة الخدمات الصحية المقدمة.